The secret

عرفت الألوان والخربشات قبل أن أعرف التكلم، كانت أمي تروي لي قصصا عن مغامراتي مع الاقلام الملونة، كانت دائما تجدني أبعثر حقيبة أختي المدرسية وأخرج الاقلام الملونة وأخربش، أخربش في كل مكان، على الجدران والارضية وأحيانا كنت أخربش كتب أختي الكبرى. كانت تموت من غيظها كلما أعدت الكرة. كنت دائما أجد حقيبتها المدرسية أينما خبأتها عني, وأنا أكبر لم تعد أقلام أختي كافية لتعبر بصدق عما يموج بداخلي. أبي كان أول من لاحظ تلك الطاقة الثائرة وقرر السماح لي بتفجيرها داخل اللوحات، وفي عيد ميلادي الخامس حصلت على أول أدوات الرسم، كان صندوقا أبيض من خشب ت�™ينه ورود �™هرية متفرقة من الخارج وكان به قفل ا�™رق صغير ومفتاح، عيناي لم تصدقا ما وقعتا عليه حين فتحته لأول مرة، وإذا بي أجد فرشاة هنا وهناك من كافة الأحجام والأشكال, صباغات عديدة اللوان, كنت كضائع وجد ضالته. من ذاك اليوم بدأت مسيرتي أنا وصندوقي الأبيض الذي أتى إلي من فرنسا عابرا البحر بكل شجاعة ليلتقي بشريك حياته الأبدي. أبي الع�™ي�™ رافقني وأنا أكتشف عالمي الجديد وأخطو أولى خطواتي في هذا المشوار. في البداية كان أبي يسمح لي بالرسم بسذاجة، كنت أرسم مثلما أفكر لكن حصيلة مجهودات أبي ونصائحه آتت أكلها. انفتح عقلي وكياني على عالم جديد بالرغم من أني رأيته من منظار أبي الذي يرى من خلاله كافة مناحي الحياة، إلا أنني رأيته من منظوري الخاص, الشيء الذي جعلني أنمو و أكتشف ذاتي وهويتي من خلال لوحاتي التي انبثقت من كياني الداخلي لم يكن هناك أفضل من هذا الدليل الحي. راقبت أبي مع مرور ال�™من وهو ينبهر بلوحاتي لدرجة أنها كانت تتركه عاج�™ا عن الكلام, هذا لم يشعرني أبدا بالغرور بل الإصرار, كنت أصر على ابهار أبي بشيء جديد يحرك مخيلته في كل مرة.
بعد أن أوشكت إكمال الرابعة عشر من عمري قرر أبي أن يقيم لي معرضا في متحف بوسط
المدينة يوم عيد ميلادي لكي تكتمل الفرحة. في ذاك اليوم أبي كان في أوج سروره. كان متحمسا لدرجة أنه راح يقف�™ بي من مكان لمكان، يعرفني بأصدقائه من كبار الفنانين والمفكرين أحسست بالفخر لتمكني من التعرف عليهم وتلقي استحسانهم، تلك الليلة لم تفارق البسمة محيا أبي وكأنه يريد أن يخبر العالم بأسره أنني ابنته، فقط مثل هذه اللحظات كانت تضفي على حياتي رونقا وجمالا
رؤيتي لكل تلك الأدمغة المتحركة تتنقل بين لوحاتي، ترى روحي متجلية فيها كما لو كنت كتابا مفتوحا يعرض نفسه على القراء.