صوت فائت

صوت فائت

A Story by منيرة درع
"

قصة قصيرة

"

كان اليوم الذي واجهت العالم ببشاعتي المطلقة, ولم أحاول كالعادة أن ابتسم لأخفيها, أو أن أحاول أن أجامل وأجد كلمات لطيفة تستر أفكاري القبيحة, وكنت بشعة, بشعة كما أنا, كان أسوء أيام حياتي, كان اليوم الذي أطلقت فيه كل الكره والغضب الذي خبأتهما طويلاً. وبعد أكثر من ثمان ساعات, أنتهى اليوم الأسوأ في حياتي, لا لم يكن قد انتهى, كان بقي منه عشر دقائق, بدأت حالما خرجت من الجامعة وأجلست نفسي داخل سيارة أخي, فارغة من كل شيء, خالية من كل الأفكار والمشاعر, منهكة كما لو أنني أنا من يدفع السيارة على الطريق السريع. تفقدت أخي الكبير بطرف عيني, ثم مارست الشيء الوحيد الذي كنت وقتها قادرة على فعله, طاردت السيارات بعيوني, لم أرفع عيني عن الطريق وقتها, لم أفوت سيارة واحدة, على عكس أخي الذي كان مهتم أكثر بتفقد هاتفه, قبل أن ين�™لق منه ويستقر بين قدميه, انحنى ليلتقطه, والتقطت أنا بعيني آخر سيارة لذلك اليوم.

 راقبت سيارة أخي تنحرف نحوها بسرعة, لم أقل شيء, لم أف�™ع, لم أصرخ, لم أنبه أخي, راقبت وحسب, كان كل ما قلته ذلك اليوم, ما صرخته وما نطقته, محشوراً في فمي, حتى أنني لم أجد متسعاً لبصق صرخة قصيرة, واكتفيت بالمراقبة. في ثانية كان يمكن لكل شيء أن يتغير, لكني استسلمت, استسلمت لأسوأ أيام حياتي, استسلمت لبشاعتي, وسلمتها نفسي لأي طريق شاءت تقودني, ولأي مصير استحقه تأخذني, كان اليوم ثقيلا ومتخما بي, لم يبشر بمصير جميل, لكني استسلمت. راقبت بعيون مفتوحة, لم أغلقها ولا مرة واحدة, حتى نال منهما الاصطدام, لم أغلقها حتى حدث ما حدث, وقُذفت خارجاً, تقلب جسدي على الإسفلت حتى أخذ الإسفلت منه ما أخذ, وكسر من عظامه ما كسر, وت�™ين  بما اكتسى من دمائه وثيابه, وترقع بما قدر له من جلده, وانتهى يومي ذاك حادثاً.

فقدت ذلك اليوم أخي الأكبر والوحيد, وفقد هو نفسه عندما فوت ما لم أفوت, بعد الحادث وفي عالم البياض كنت منسية, موت أخي أثقل كاهل الجميع, ورحيله خلق ثقب أسود أبتلع الجميع ونسيني, في البداية لم أخبر أحداً عن سري الصغير, لم أجرأ, لكني فعلت أخيراً, وأخبرت أختي, أخبرتها كيف راقبت السيارة تنحرف, كيف لم أشعر برغبة في تنبيه أخي, كيف تركته يبحث عن هاتفه, ويلقى حتفه بعدها. لم تواسني, لم تبحث عن عذر لي, ولا حتى أنني قد أكون فقدت القدرة على الكلام بسبب الصدمة, أو أنني بسبب الخوف فقدت صوتي, لم تقل هذا, لم تطمئني بأن ما حدث مجرد حادث, لم يكن لي يد في حدوثه ولا يد لإيقافه, اكتفت بالنظر إلى عيني مباشرة, وقالت بح�™م "لا تخبري أحداً"

لم تكن أمي لتغفر لي, كانت ستراني مذنبة, وحتى لو بذلت جهدي في إقناعها بأنني كذلك, لم تكن لتسامحني, كنت أجيد استعطاف الناس واستمالة قلوبهم, لكني ما كنت أبداً لأنجح في جعل أمي تغفر لي حتى لو لم أكن حقا مذنبة. ليس ومن مات هو ابنها الوحيد, ليس وهو ولدها الوحيد, سندها ورجلها وقد فقدت كل ثقتها وأملها في أبي, ما كانت لتغفر لي أنني فوت صوتاً, كلمةً, جملةً, أو لعلها صرخة, لا أدري فقد كان من المفترض بالحادث أن يلهمني الصوت المناسب لإيقافه, لكني فوته. أن تفوت صوتاً واحداً في حياتك قد يكلفك الكثير وربما الحياة بمجملها, ألا يفقد المولود لتوه حقه في الحياة عندما يفوت أول صرخة له, وهكذا أنا فوت صوتاً واحداً, وفقدت الكثير.

بدأت ذلك اليوم بالجدال مع أمي, رفعت صوتي بقدر ما أمكنني, صرخت بإخوتي في طريقي للخارج, والله وحده يعلم كم قلب كسرت, وكم جرح صنعت, وكم صديقة خسرت, كل ما ل™مني ذلك اليوم هو حبال صوتية لأخبر الجميع كم أنا غاضبة وكم أنا بشعة, وكان آخر يومٍ استخدمها لفعل ذلك. بعد أن أخبرت أختي بفعلتي, وبعد أن حذرتني من البوح بها, م�™قت الأوراق التي كتبت لها عليها اعترافي, مَ�™قتها بعد ما مُ�™ِقت الحبال الصوتية الوحيدة التي امتلكتها في حياتي.

 

© 2014 منيرة درع


My Review

Would you like to review this Story?
Login | Register




Share This
Email
Facebook
Twitter
Request Read Request
Add to Library My Library
Subscribe Subscribe

Advertise Here
Want to advertise here? Get started for as little as $5

Stats

131 Views
Added on November 18, 2014
Last Updated on November 18, 2014

Author

منيرة درع
منيرة درع

Abha, Saudi Arabia



About
In my way to be me more..

Writing
سيارته المسكونة بي سيا..

A Story by مني..