سيارته المسكونة بي

سيارته المسكونة بي

A Story by منيرة درع

حيث أقف كل صباح أنتظر حافلتي البغيضة, يمر مسرعاً من أمامي, لا أذكر أنني قد رأيت عينيه يوماً, فدائما ما يسترهما بنظارة شمسية بحجم كفي, لعله يخفي نظراته الساخرة حتى لا يفسد يومي. لطالما آمنت بأنه يكرهني ويكره وجودي معهم, آخر رسالة تلقيتها منه كانت دعوة واهنة بالتوفيق, ألقاها بوجهي على شكل شتيمة, لقد ظللت أشتمه بعدها أشهر وأشهر, وظننت أنها أخر ما سأراه منه, لكني كنت مخطأة, فكل صباح يمر من أمامي مسرعاً نحو منا�™ل أعتدت الانتظار عندها. كل ما فيه يوقظ ماض حلو مر, سيارته التي تشبه سيارة والدي القديمة تحمل بقايا مني, وسادة وشغب لم يبقى منه سوى ذكريات.

كم تعثرت على مدخل سيارته, وكم توسدت �™واياها وغطاني غبارها, أراهن على أن ضحكاتي ما ت�™ال تتردد بداخلها, قالت لي ابنة خالتي أنهم ما �™الوا يذكرونني وأنني لم أُنسى بعد, وأنا متأكدة بأنه لم ينسني بعد.

ذات صباح صادف أن يت�™امن وقت قدوم حافلتي ووقت مروره من أمامي, وأكاد أقسم أن العالم تحرك في بطأ تلك اللحظة, وأنني بعيني المكحلة رأيت سيارته تمر ببطء, وقبل أن تلتقي أعيننا وأنا أصعد الحافلة. لا أعلم شعرت بانتصار عليه, ربما لأنني لم أعد أدفع له للمجيء كل يوم واحتمال تأخري الم�™عج, لقد كان ينتظرني في سيارته وأنا للتو غسلت شعري وبدأت بتجفيفه, كان أبي يستشيط غضباً لأنني أبقيه منتظراً, برغم أنني أنا من يدفع له لينتظر.

قبل أسبوع ت�™امن وقت قدوم الحافلة ووقت مروره من أمامي مجدداً, لكن هذه المرة كان الشارع يفصل بيني وبين الحافلة, وأضطر أن يتوقف وينتظرني حتى أقطع الشارع لركوب الحافلة, وأكاد أقسم أنه قاد بأقصى سرعة بمجرد أنني ابتعدت عن طريقه. التهمت سيارته الإسفلت ولا أظنها أشبعت غروره, لعله أراد صاروخا في تلك اللحظة ولا أن يضطر للوقف من أجل أن أقطع الشارع. كل ما أفعله يبدو أنه يغيظه, أذكر كم كان يغيظه أن يجد هاتفي المحمول ملقى على أرض سيارته, بعد أن تسلل بخفة من جيبي الواسع, وأختبئ بين ركام عباءتنا حتى لا ألمحه وأنا أن�™ل من السيارة.

كل تلك الذكريات تسعدني وتضحكني, وربما مروره من أمامي كل صباح بسيارته القديمة ذاتها, أقول ربما أنها نعمة من الله, حتى أتذكر كل تلك الأيام الجميلة وأحمد الله أنها كما سيارته تلتهم كل العقبات, لتصل بي إلى مكان جميل.

أوه! على فكره هذا الرجل ليس سوى كغيره من الرجال الذين ضاقت عليهم الحياة, وملوا العمل في وظائف حكومية فقرروا شرب الشاي في سياراتهم, والاستماع لأحاديث ساخنة كل صباح من فتيات يدفعن لهم المئات لكي يقلونهم لأماكن تدعى جامعات. كانت السنة اللتي ركبت فيها سيارة هذا الرجل من أسعد سنين حياتي, وأظنها السنة الوحيدة التي عشتها كما أريد, ولعلي استمتعت بكل لحظاتها حتى وجدت نفسي في جامعة أخرى, أستقل حافلة غير سيارته وأصاحب فتيات غير صديقاتي, ولم يعد سوى وجهه الأسمر ونظاراته الكبيرة, وسيارته الحبيبة لتذكرني بماض جميل هجره جسدي.

 

© 2014 منيرة درع


My Review

Would you like to review this Story?
Login | Register




Share This
Email
Facebook
Twitter
Request Read Request
Add to Library My Library
Subscribe Subscribe


Stats

57 Views
Added on November 25, 2014
Last Updated on November 25, 2014

Author

منيرة درع
منيرة درع

Abha, Saudi Arabia



About
In my way to be me more..

Writing
صوت فائت صوت ..

A Story by مني..